الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
فصول ومسائل تتعلق بالمساجد
14109 مشاهدة
رابعا: السؤال فيها

أي: كثرة المتسولين الذين يتكففون الناس، ويستجدون طلبا للدنيا، ولقد كثروا في هذه الأزمنة، وتفاقم أمرهم، فأصبحت المساجد أو أكثرها أماكن للاستجداء والتكفف، وحصل بذلك تشويش ورفع أصوات، وتجمعات لأعداد كثيرة، يظهرون بصفة الضعف والذل والهوان، ويرتدون ثيابا دنسة، ولا شك أن من بينهم من هو بحاجة وفاقة شديدة أو قليلة، ولكن الكثير منهم من المحتالين على جمع المال من غير حاجة، لذلك تصدر بعض التعميمات والتعليمات للأئمة بمنعهم، إلا من ظهرت عليه فاقة شديدة، وإحالتهم إلى طرق الأبواب، والاتصال بأرباب الأموال.
ومع ذلك فلا مانع من الصدقة في المسجد لمناسبة، فقد ترجم أبو داود في سننه (باب المسألة في المسجد )، ثم روى بإسناد حسن عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينا؟ فقال أبو بكر دخلت المسجد فإذا أنا بسائل يسأل، فوجدت كسرة خبز في يد عبد الرحمن فأخذتها فدفعتها إليه . فهذا السائل ذو حاجة، حيث قنع بكسرة رغيف ليسد بها جوعته.
وقد بوب البخاري في صحيحه: (باب القسمة وتعليق القنو في المسجد)، ثم ذكر حديث أنس -رضي الله عنه- قال: أتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بمال من البحرين فقال: انثروه في المسجد، وكان أكثر مال أتى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يلتفت إليه، فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه، فما كان يرى أحدا إلا أعطاه.. فما قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وثَمَّ منه درهم .
ففي هذا الحديث جواز تفريق المال الذي يشترك فيه المسلمون في المسجد، بشرط أن لا يشغل المصلين، ولا يحصل فيه ازدحام وهيشات أصوات، فإن تيسر تفريقه في غير المسجد فهو أولى، ومثله تفريق الزكوات وصدقة الفطر، يجوز في المساجد عند الحاجة.
وكذا يجوز وضع الماء في المسجد للشرب في القرب لتبريده، وكذا وضع البرادات الكهربائية، لما في ذلك من نفع المسلمين، وإعانة المصلين، فيحصل بذلك أجر كبير لمن وضع هذه السقايات والبرادات.
ومثله أيضا تفطير الصوام في المساجد بجلب الأكل والشرب لهم، إذا لم يتيسر وضعه خارج المسجد، لما في ذلك من الأجر الكبير، بشرط أن لا يلوث المسجد بالفضلات والنفايات، وتنظيف المسجد بعد ذلك، وإزالة بقايا الأكل وما تساقط منه.